سرقة بنك نيس الوطني في فرنسا 1976: العملية الجريئة التي أذهلت العالم
في صيف عام 1976، وقعت واحدة من أشهر عمليات السرقة في التاريخ الحديث، عندما استهدف مجرم فرنسي يُدعى ألبرت سباجياري بنك نيس الوطني في جنوب فرنسا. كانت السرقة جريئة ومدروسة بدقة، حيث استخدم الجناة نفقًا للوصول إلى خزائن البنك وسرقة ما يقدر بـ 30 مليون دولار. أثارت هذه الجريمة ضجة كبيرة وأصبحت مادة دسمة للكتب والأفلام والتحقيقات الصحفية.
السياق التاريخي
كانت فترة السبعينيات في فرنسا زمنًا مليئًا بالتغيرات الاجتماعية والسياسية. مع ازدياد معدلات الجريمة وتطور أساليب المجرمين، أصبحت السرقات الكبرى أمرًا يثير الكثير من الاهتمام. كانت نيس، وهي مدينة ساحلية معروفة بجمالها وثرائها، مكانًا مثاليًا لجريمة من هذا النوع.
التخطيط والتحضير
بدأ ألبرت سباجياري، الذي كان يُعرف بذكائه وجرأته، في التخطيط لعملية سرقة بنك نيس الوطني قبل عدة أشهر من تنفيذها. كانت خطته تعتمد على حفر نفق يمتد من مبنى مجاور إلى داخل خزائن البنك.
تجهيز الفريق
تألفت العصابة من عدة أفراد، كل منهم كان له دور محدد في تنفيذ الخطة. كان هناك خبراء في الحفر، كهربائيون لتعطيل أنظمة الإنذار، ومتخصصون في فتح الخزائن.
التحضير للحفر
استأجر سباجياري متجرًا صغيرًا بالقرب من البنك واستخدمه كواجهة لعملية الحفر. بدأ الفريق بحفر النفق تحت الأرض، واستخدموا معدات متقدمة وأنظمة تهوية وإضاءة لضمان سير العملية بسلاسة.
تفاصيل السرقة
في ليلة 16 يوليو 1976، دخلت العصابة إلى البنك عبر النفق الذي استغرق حفره عدة أشهر. بمجرد وصولهم إلى الخزائن، بدأت العملية الفعلية للسرقة.
التنفيذ
الوصول إلى الخزائن: بعد حفر النفق الذي بلغ طوله حوالي 8 أمتار، وصل الفريق إلى جدار الخزائن وقاموا بثقبه باستخدام أدوات حفر كهربائية.
فتح الخزائن: بمجرد الدخول إلى غرفة الخزائن، قام أفراد العصابة بفتح عدد كبير من الخزائن باستخدام تقنيات حديثة ومعدات متقدمة. كانت العملية تستغرق وقتًا طويلًا، لكنها تمت بنجاح.
جمع الأموال والمجوهرات: سرق اللصوص ما يقدر بـ 30 مليون دولار من الأموال النقدية والمجوهرات والتحف الثمينة. قضوا في البنك عدة أيام، حيث كانوا ينامون ويأكلون داخل الخزائن لتجنب الكشف.
الهروب: بعد جمع كل ما يمكنهم حمله، غادر الفريق البنك عبر النفق وعادوا إلى متجرهم القريب. ثم تفرقوا وأخفوا الأموال والمجوهرات في أماكن آمنة.
التحقيقات والتداعيات
بدأت الشرطة الفرنسية تحقيقًا واسعًا فور اكتشاف السرقة. تم استدعاء فرق تحقيق خاصة، وتم التنسيق مع وكالات إنفاذ القانون الدولية للبحث عن الجناة واستعادة المسروقات.
التحقيقات الأولية
جمع الأدلة: قامت الفرق الأمنية بجمع الأدلة من موقع السرقة، بما في ذلك الأدوات المستخدمة في الحفر وشهادات الشهود وتحليل الأدلة المادية.
تحليل النفق: كان النفق نفسه دليلاً هامًا في التحقيقات، حيث أظهر التخطيط الدقيق والتكنولوجيا المستخدمة من قبل العصابة.
القبض على المتورطين
بفضل المعلومات الاستخباراتية والشهادات التي تم جمعها، تمكنت الشرطة من القبض على ألبرت سباجياري وبعض أفراد العصابة بعد عدة أشهر من السرقة. تم تقديمهم للمحاكمة وحُكم على معظمهم بالسجن لمدد طويلة.
هروب سباجياري
في تطور مفاجئ للقضية، تمكن ألبرت سباجياري من الهروب من محكمة نيس في عام 1977. قفز من نافذة الطابق الثاني وهرب على دراجة نارية كانت تنتظره في الخارج. ظل هاربًا حتى وفاته في عام 1989.
التأثير طويل الأمد
تسببت سرقة بنك نيس الوطني في إحداث تغييرات كبيرة في سياسات الأمان المصرفية في فرنسا والعالم. دفعت هذه الجريمة السلطات إلى تعزيز أنظمة الأمان وتطوير تقنيات جديدة لمكافحة السرقات.
الدروس المستفادة
أهمية التخطيط الأمني: أظهرت السرقة الحاجة الملحة لتعزيز إجراءات الأمان في البنوك والاستثمار في تكنولوجيا الأمان المتقدمة.
التعاون الدولي: كانت السرقة دليلاً على أهمية التعاون الدولي في مواجهة الجريمة المنظمة واستعادة الممتلكات المسروقة.
التدريب والجاهزية: ضرورة تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع المواقف الطارئة وتعزيز الوعي الأمني بين العاملين في البنوك.
التأثير الثقافي
أثارت سرقة بنك نيس الوطني خيال الجمهور وأصبحت موضوعًا للعديد من الأفلام والكتب. الفيلم الفرنسي “Les Égouts du Paradis” الذي صدر في عام 1979 يعد واحدًا من أشهر الأفلام التي تناولت هذه الحادثة. كذلك، أصبحت السرقة رمزًا للجريمة المنظمة والتخطيط الدقيق، وأثرت على العديد من الإنتاجات الثقافية والأدبية.
تظل سرقة بنك نيس الوطني في عام 1976 واحدة من أكثر عمليات السرقة جرأة وتعقيدًا في التاريخ الحديث. التخطيط الدقيق والتنفيذ المتقن أظهرا مستوى غير مسبوق من الاحتراف في عالم الجريمة. رغم استعادة جزء من الأموال المسروقة والقبض على بعض الجناة، إلا أن العديد من التفاصيل لا تزال غامضة، مما يضفي على هذه السرقة طابعًا أسطوريًا في الأوساط الجنائية والأمنية. تظل هذه الحادثة تذكيرًا بأهمية حماية المؤسسات المالية وتعزيز الأمان لمواجهة التحديات المستقبلية.